الجولان المحتل.. إرادة وطنية في وجه الضمّ والتوسع - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

  
الجولان المحتل.. إرادة وطنية في وجه الضمّ والتوسع
حامد الحلبي (نشرت في جريدة النور)
كان يوم الاثنين 14 كانون الأول 1981 يوماً لا يُنسى في الجولان العربي السوري المحتل، إذ شهد تطبيقاً جديداً- قديماً للتوسع الصهيوني في الأرض العربية. ففي ذلك اليوم أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضم الجولان رسمياً إلى إسرائيل، وذلك بإعلان ما أسمته "قانون الجولان" الذي اعتُمد في الكنيست الإسرائيلي باستعجال كبير، وينص على:
"1- يُطبق القانون والقضاء والإدارة التابعة للدولة في منطقة هضبة الجولان،
2- يبدأ تطبيق القانون ابتداء من يوم إقراره في الكنيست.
3- إن وزير الداخلية هو المسؤول عن تنفيذ هذا القانون، ويعطى صلاحية إصدار أنظمة إدارية لتنفيذه".
أُقر هذا القانون بأغلبية 63 صوتاً من أصل ،120 هم أعضاء الكنيست، وقد عارضه 21 نائباً في الكنيست، 17 منهم من حزب العمل، عارضوه، لا من حيث المبدأ، بل لأنهم يعارضون توقيت فرضه فقط! أما الأربعة الباقون، فهم الوحيدون الذين عارضوه من ناحية مبدئية، وهم ممثلو كتلة »الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة«. وهذه الجبهة بقيادة القائمة الشيوعية تعارض الاحتلال بحد ذاته وجميع إجراءاته في الأراضي العربية المحتلة.
وقد أوردت جريدة »الاتحاد« الصادرة في حيفا في اليوم التالي لقرار الضم، قول النائب توفيق طوبي من الجبهة المذكورة: »إن الحقيقة هي أبعد خطراً من القول بأن مناحيم بيغن استغل انشغال الدول الكبرى في قضية بولندا، فمرّر قانون الجولان، إنما هو أمر مدبّر بالاتفاق مع الإدارة الأمريكية«. وأضاف مخاطباً الحكومة الإسرائيلية: »إن إجراءكم هذا يكشف عن نواياكم الصهيونية التي تحلم بدولة من الفرات إلى النيل، إنكم لا تريدون السلام، بل تحلمون بأن تعيشوا إلى الأبد على حِرابكم، وستثيرون ضدكم عائلة الشعوب كلها التي تريد السلام العادل. وأما المواطنون السوريون الأبطال في الهضبة المحتلة، فسوف يواصلون كفاحهم العادل ضد طردهم من بلادهم وضد فصلهم عن وطنهم الأم سورية«.
إن هذا الإجراء التوسعي يعني اقتطاع جزء من الأرض العربية السورية وضمها إلى الكيان الإسرائيلي، ويهدف أيضاً إلى توجيه ضربة، قدروها أن تكون قاضية، إلى المواطنين العرب السوريين في الجولان المحتل، لإنهاء مقاومتهم للاحتلال وكسرها، وإخضاع إرادتهم، ولكن الاحتلال فشل أمام صمودهم.
رد سريع.. وموقف واضح
وقد جاء الرد على قرار الضم سريعاً من أهلنا ومواطنينا في الجولان المحتل. ففي اليوم التالي لقرار الضم، عُقد اجتماع جماهيري حاشد في مجدل شمس، كبرى القرى العربية السورية الباقية في الجولان، حضره أكثر من ثلاثة آلاف شخص من مواطني الجولان من قرى »مجدل شمس، عين قنية، بقعاتا، مسعدة«، وقرروا بالإجماع إعلان إضراب احتجاجي شامل ضد قانون الضم لمدة ثلاثة أيام، وأعلنوا: »لا نقبل قرار الضم الإسرائيلي هذا حتى ولو دُفنَّا أحياء«.. واعتبروا يوم 14/12 من كل عام، يوماً أسود تستعاد ذكراه بالحداد، حتى ينتهي الاحتلال ويتحرر الجولان، وأكدوا أنهم عرب سوريون يرفضون الاحتلال وإجراءاته رفضاً مطلقاً، وأن الجولان جزء لا يتجزأ، أرضاً وسكاناً، من الوطن الأم سورية.
قابلت سلطات الاحتلال هذا الرفض العارم والمقاومة الشاملة، بمزيد من إجراءات القمع والاعتقال في صفوف المواطنين بغية إرهابهم.. فما كان من المواطنين إلا أن عقدوا اجتماعاً شعبياً آخر يوم الخميس 17/12/،1981 كان أكبر من سابقه، أكدوا فيه إصرارهم على موقفهم واستمرار مقاومتهم للاحتلال وقراراته، ولمحاولة فرض الهوية الإسرائيلية عليهم، باعتبارهم- كما أعلنت سلطات الاحتلال- أصبحوا »مواطنين إسرائيليين« بموجب قرار الضم المذكور.
المنية.. ولا الدنيّة!
وكان الرد الحاسم لمواطنينا بشعارهم »لا رضوخ للاحتلال« و»المنيّة ولا الهوية«، وأصدروا بياناً إلى الرأي العام بموقفهم، ويطالبون فيه مساندتهم في هذا الموقف.
وفي اليوم نفسه خرجت مظاهرة احتجاج وحداد في قرية مسعدة، رفعت فيها الأعلام السوداء في وجه قوات البوليس المدني وحرس الحدود، التي حلّت مؤقتاً محل الجيش في القرية. وشملت المقاومة القرى الأربع بشكل كامل، رجالاً ونساء وكباراً وصغاراً.
ورفعت سورية القضية إلى الأمم المتحدة، واجتمع مجلس الأمن الدولي، واتخذ قراراً بالإجماع، بعد ثلاثة أيام من قرار الضم في 17/12/،1981 وكان رقمه ،497 وفيه يقرر أن قرار الضم: »يعد باطلاً وكأن لم يكن وعديم الأثر قانونياً على الصعيد الدولي، ويَطلب من إسرائيل إلغاءه فوراً دون إبطاء، وأن معاهدة جنيف لعام1949 المتعلقة بحقوق المدنيين وحمايتهم في أوقات الحرب، مازالت أحكامها سارية على الأراضي السورية المحتلة.
الفيتو الأمريكي.. يحمي إسرائيل
ولكن إسرائيل كعادتها، لم تمتثل لهذا القرار، واجتمع مجلس الأمن ثانية في 5/1/1982 لاتخاذ قرار بشأن النظر في العقوبات ضد إسرائيل لعدم امتثالها للقرار 497. ولكن الفيتو الأمريكي كان له بالمرصاد فأبطله.. وكذلك أبطله في اجتماع آخر للمجلس في 20/1/1982.. فرفعت سورية »مع المجموعة العربية« القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أقرت في 5 شباط ،1982 بأغلبية كبيرة، قراراً يدين قرار الضم ويعدّه قراراً عدوانياً ولاغياً وباطلاً، ويدعو الدول الأعضاء إلى مقاطعة إسرائيل.
لقد كسبت سورية رأياً عاماً دولياً وقراراً جديداً مؤيداً للحق العربي، ولكنه للأسف، قرار جديد يموت كغيره في أدراج الأمم المتحدة، ويبقى الاحتلال جاثماً.
وتعود الدائرة إلى أرض المواجهة، إلى الجولان المحتل، إذ صعّدت قوات الاحتلال من إجراءاتها القمعية، من تضييق واعتقالات، من أجل فرض قرار الضم، وإلزام السكان بالهوية الإسرائيلية.. وبالمقابل تصاعدت مقاومة أهلنا، فكان قرارهم الشهير بإعلان الإضراب العام والشامل والمفتوح حتى تتراجع إسرائيل عن قرار الضم، وتوقف محاولة فرض الهوية الإسرائيلية عليهم.
الإضراب.. ومعركة الهوية
وفعلاً نُفّذ هذا القرار وبدأ الإضراب في يوم 14 شباط ،1982 واستمر 157 يوماً متواصلة، حتى عُلّق في شهر تموز من العام نفسه، بعد أن تراجع الاحتلال عن محاولة فرض الهوية الإسرائيلية.. وتسلم السكان بطاقة تعريف لم تُذكر فيها الجنسية. وقال أهلنا: »إن جنسيتنا العربية السورية لا تقررها سلطات الاحتلال، فنحن عرب منذ آلاف السنين، ومنذ أن وجد الإنسان العربي فوق هذه الأرض العربية، التي فديناها ونفديها بدمائنا«.
وقد تخلل هذا الإضراب أربعون يوماً من الحصار القاسي المرير للقرى الأربع، إضافة إلى المحاصرة العامة للقرى طيلة الإضراب.. وكانت ذروة الإضراب في المواجهة البطولية التي جرت في 31/3/،1982 التي استمرت ثلاثة أيام، وقد عُرفت بـ»معركة الهوية«، وهي ملحمة بطولية حقاً، سطرها أهلنا بإرادتهم الوطنية الراسخة، إذ حشد الاحتلال قوات عسكرية تفوق أعداد السكان التي كانت لا تزيد على 13 ألف نسمة آنذاك، واستعمل أساليب البطش وإطلاق الرصاص والقنابل الدخانية الخانقة وكل أساليب القمع، من أجل إجبار مواطنينا على استلام هوية الاحتلال التي وزعها جنوده على البيوت، فرفضها الأهالي وداسوها بالأرجل، وفشلت محاولة فرض الهوية الإسرائيلية، وبالتالي أُبطلت أهم غايات قرار الضم.
وكانت معركة دامية أثبت فيها أهلنا أن العين تستطيع أن تقاوم المخرز، إذا تسلح الإنسان بقوة الإرادة، وبالاستماتة في الدفاع عن الحق والأرض والثوابت الوطنية، وأن الموت أهون من العيش بلا كرامة.
وتستمر روح المقاومة ضد الاحتلال، راية عالية، وشعلة متقدة، وهي كذلك منذ بداية الاحتلال عام ،1967 ولن تهدأ حتى يزول الاحتلال.. ويتم هذا بالتعاون المشرّف بين عرب الجولان وعرب فلسطين في جميع مناطقها، بتضامن كفاحي متواصل ضد الاحتلال المشترك.
وإذا كان قرار الضم قد صدر رسمياً في عام ،1981 فإن الاحتلال قد بدأ بالضم الفعلي للجولان منذ بداية الاحتلال، وهو يشمل الأرض والسكان وجميع مناحي الحياة، وهذا هو الهدف الأول والأهم للصهيونية وهو الأرض العربية.. والحديث في هذا يطول.
مواجهة الفعل الصهيوني بالفعل العربي
وإذا كانت المصادفات، قد جعلت من قرار الضم أن يكون يوم الاثنين 14/12/،1981 وهو نفسه أيضاً هذا العام يوم الاثنين بعد ثمانية وعشرين عاماً بالتمام، فإن سياسة التوسع الإسرائيلية لا تسير بعامل المصادفة، بل هي تصميم وتخطيط وتنفيذ دقيق متواصل، لقضم الأرض العربية المحتلة، وإن المقاومة هي أيضاً فعل تصميم وتنفيذ عقلاني متواصل، يستند إلى وحدة وطنية راسخة، وقيادة ديمقراطية واعية، وجهد وطني دؤوب مخلص.. ونرجو أن يكون الفعل العربي مواجهاً للفعل الصهيوني بشكل موحد ومصمم، وبتنفيذ على أرض الواقع، يوقف أنياب القضم والضم، ويعزز كرامة الإنسان العربي المتشبث بأرضه وبحقه، والمدافع عن كرامة شعبه وأمته، ويدعمه بكل الإمكانات.